نيويورك تايمز: قرار إعدام النمر تؤيده الأغلبية بمن فيهم المعروفون بانتقادهم للحكومة.. إعدام النمر دفع بعض المتعاطفين مع "داعش" إلى التخلي عن تأييدهم له.. أحداث الاعتداء على السفارة السعودية أظهرت عدم احترام إيران للأعراف الدولية
فيما تباينت ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، جاء رد فعل الشعب السعودي صارماً، إذ اعتبروا القرار عادلاً وطالبوا بمواقف أكثر صرامة ضد طهران بعد أن قام الإيرانيون بحرق سفارة المملكة في طهران، فيما اعتبر محللون تعاطي المملكة مع الملف "ضربة معلم".
السعوديون يرون أنَّ قرار إعدام النمر اتُّخذ ضد رجل يعتبره الكثيرون خائناً وخطيراً، إذ يبدو الإعدام وحسب كل المقاييس قراراً تؤيده الأغلبية، بمن فيهم بعض المعروفين بانتقادهم للحكومة السعودية، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني 2016.
مقاومة للهيمنة الشيعية
بعض السعوديين ذهبوا إلى القول بأن إعدام رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر النمر، مكَّن المملكة من سرقة الأضواء من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)- وربما دفع بعض المتعاطفين معها إلى التخلي عن تأييدهم لها- إذ جاء الإعدام ضمن إطار المقاومة السنية ضد الهيمنة الشيعية.
عبد العزيز الجاسم، المحامي في مدينة الرياض والمعارض السابق الذي سُجن في التسعينيات بسبب انتقاده للحكم، قال إن "الناس كانوا ينتظرون هذه الإعدامات التي تؤيدها الغالبية العظمى من السنة والشيعة على حد سواء. النمر كان يُعتبر الناطق باسم النظام الإيراني، مثله مثل حسن نصر الله. وكان يحاول الاستيلاء على الحكم هنا".
هذا الرأي ليس عاماً، فقد كانت ثمة احتجاجاتٌ بعد الإعدام في المنطقة الشرقية التي تقطنها غالبية شيعية وهي مسقط رأس الشيخ النمر ضد عملية الإعدام.
لكن العديد من المعلقين يرون أن الحكومة السعودية كانت ستواجه غضباً شعبياً أشدَّ إن هي استثنت الشيخ النمر من الحكم الذي قضى بإعدام 43 سنياً متهمين بالإرهاب.
دفاع عن المملكة
ورغم أن إعدام النمر لن يزيد من شعبية الملك السعودي بين مؤيدي داعش، إلا أنه دفع بعض المسلمين "المتزمتين" إلى الدفاع عن المملكة، حسب ما كشفت مراجعةٌ لتعليقات الجهاديين قام بها ليث الخوري، مؤسس شركة Flashpoint وهي شركة متخصصة في البحث والتحليل مقرُّها نيويورك.
و إعدام 43 من الجهاديين السنة يوم السبت الماضي، بالإضافة إلى إعدام النمر وثلاثة آخرين من الشيعة، دفع إلى غضب متوقَّع بين أنصار داعش والقاعدة.
أحد الذين تم إعدامهم كان أحد القادة الروحيين للقاعدة، ويُدعى فارس الشويل، كان أيضاً رجلاً يبجّله الكثيرون من أعضاء داعش. لكن السيد الشويل والعديد من الجهاديين الآخرين كانوا على قائمة المحكوم عليهم بالإعدام منذ سنوات عديدة، ولم تكن غالبية السعوديين متعاطفة معه بسبب النشاط المسلح للقاعدة داخل السعودية قبل حوالي عقد من الآن.
تغريدات مؤيدة
من الصعب معرفة الرأي العام الحقيقي في السعودية، ولكن يوجد منتدىً على موقع تويتر شهد في الأيام القليلة الماضية، العديد من التغريدات المؤيدة لأحكام الإعدام، بالإضافة إلى اتّهامات غاضبة موجَّهة للغرب بسبب النفاق الذي يتعامل به مع الأحداث.
وكتبت امرأة اسمها ابتسام القطبي معبِّرة عن شعور الكثيرين: "لقد أعدمت إيران مئاتٍ من المواطنين العرب السنة، لكن هل رأيتم القيادة السعودية تدلي بتصريحات عدائية تجاه السيادة الإيرانية؟".
بينما أشار آخرون إلى أن إيران استقبلت أعضاءً في القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
رد فعل إيجابي
وقال علي الخشيبان، الكاتب في صحيفة الرياض الحكومية، إن رد فعل السعوديين تجاه الإعدامات كان إيجابياً، وفي الواقع، كانوا يشجعون على تنفيذها.
وأضاف السيد الخشيبان: "من الضروري أن يفهم العالم أن السعوديين يطالبون الحكومة منذ عام 2010 بالتحرُّك أسرع لإعدام هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم إرهابية.
مشيراً الى أن نمر النمر ليس مختلفاً عن الآخرين، فقد شكَّل خلايا عسكرية وساهم في قتل ناس عاديين وفي إثارة الفتنة في شرقي المملكة".
أما عبد العزيز قاسم، الكاتب الذي كان حتى وقت قريب مذيعاً في برنامج يستكشف التناول الديني للقضايا الاجتماعية، فقد قال إن "قرار إعدام نمر النمر كان قراراً شجاعاً من الملك سلمان الذي وقف ضد كل أولئك الذين قالوا إنها مسألةٌ حساسة. لقد أجهض الملك المشروع الإيراني داخل المملكة".
يتفق معظم رعايا الملك مع هذا الرأي. فقد قال خالد العامري البالغ من العمر 36 عاماً والذي يعيش في الرياض أنه "لا يفهم أولئك الذين يعارضون القرار، فنحن نتحدث عن إرهابيين حصلوا على محاكمة عادلة. علينا أن نحارب الإرهابيين. لم يشعر أعضاء القاعدة ولا الشيخ نمر بالأسف على ضحاياهم وعلى عائلات الضحايا".
مخاوف من ردود فعل الشيعة
لكن امرأة عمرها 50 عاماً واسمها فاطمة (وهي تعيش في الرياض وفضَّلت عدم الكشف عن اسمها الكامل) قالت أن الإعدامات دفعتها للقلق حول سلامة ابنيها اللذين يدرسان في محافظة الشرقية ولديهما أصدقاء كثر من الشيعة.
فاطمة قالت "ماذا سيحدث لولديّ. هل سيتم التعامل معهما بنفس الصورة السابقة؟ في معمعة كل هذا التوتر بين السعودية وإيران".
عبَّر العديد من الصحفيين والمحللين في الغرب عن مخاوف مشابهة، لكن أقليةً منهم اعتبرت أن الإعدام كان خطوة بارعة من الحكومة السعودية.
فقال بيرنارد هيكل، البروفيسور في دراسات الشرق الأوسط في جامعة برينستون الأميركية، أنه "ما لم تخرج الأمور عن السيطرة من ناحية الإيرانيين، فإن الخطوة كانت (ضربة معلم) محلياً".
نجاح دبلوماسي
استفاد السعوديون أيضاً مما بعد عملية الإعدام، أي من حرق السفارة السعودية في طهران على يد المحتجين على إعدام النمر، إذ استخدم الدبلوماسيون السعوديون ذلك الفعل التخريبي، الذي يبدو أن الحكومة الإيرانية تعترف بخطئه الآن، لإظهار اعتماد إيران على عملاء من المرتزقة، كما لإثبات عدم احترامها للأعراف الدولية.
لا يرتبط دعم السعوديين للإعدامات بانتماءاتهم الطائفية فحسب. فقد زاد الشعور الوطني و توق السعوديين إلى خطوات سلطوية قوية.
وقال الصحفي البارز خال الدخيل: "بعد 5 سنوات من تفكك الدول والحروب الأهلية، يتوق الناس إلى شخص يحكم بقوة. يحتاجون إلى شخص يشعرهم أننا أقوياء وأن حكومتنا ليست ضعيفة. من وجهة النظر السعودية، يستمر الإيرانيون في دعم الميليشيات في لبنان، سوريا واليمن، والميليشيات تجسّد عكس مفهوم الدولة".