منذ مطلع عام 2011 وحتى ديسمبر من العام الماضي، ارتفع سعر الدولار
الأمريكي مقابل الجنيه المصري بنحو جنيهين كاملين، تبعًا للسعر في السوق
الرسمية، إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت اتساع الفارق بين السعرين
الرسمي والموازي، وصولًا إلى ما يزيد على جنيه كامل، بعد أن بلغ سعر
الدولار تسعة جنيهات.
هذا الارتفاع المتواصل أدى لـ "ارتفاع إجمالي أسعار
مستلزمات الإنتاج بحدة في شهر يناير الماضي" تبعًا لتقرير مؤشر مديري
المشتريات الصادر عن بنك الإمارات دبي الوطني، والذي رصد ارتفاع تكاليف
المشتريات الناتج عن "تدهور آخر في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار
الأمريكي".
أعد "مدى مصر" قائمة بأبرز التساؤلات حول مسار الارتفاع المتواصل في سعر الدولار مقابل الجنيه، وحاول الوصول لإجابات عليها.
ما هو السبب المباشر وراء الارتفاع الجديد في سعر الدولار؟
يرى
أيمن هدهود -الباحث الاقتصادي المتخصص في السياسة النقدية- أن الأمر لا
يتعدى الدورة التقليدية قبل كل ارتفاع في سعر الدولار في السوق الموازية،
بما في ذلك ما يترتب على هذا الارتفاع من "ذعر الرأي العام"، على حد
تعبيره، والذي يواكب كل ارتفاع لافت في سعر الدولار مقابل الجنيه.
ويوضح هدهود قائلًا: "يبدأ الأمر غالبًا بخبر، حقيقي أو
غير حقيقي، يوحي بقرب ارتفاع الدولار في السوق الرسمية، ما يستتبعه على
الفور ارتفاع الطلب عليه وتراجع العرض في السوق الموازية؛ كرد فعل طبيعي
على التوقعات، ما يجعل تحققها حتميًا في واقع الأمر، لينتهي الأمر بمزاد
جديد للبنك المركزي متضمنًا ارتفاعًا في السعر لكن هذه المرة في السوق
الرسمية"، ويضيف هدهود: "سرعان ما يؤدي العرض الإضافي من الدولار إلى تراجع
السعر في السوق الموازية، ما يعني فجوة أضيق في سعر الدولار بين السوقين
الموازية والرسمية".
ويستكمل: "بدأ الأمر هذه المرة بخبر يفيد استناد الحكومة
في إعداد موازنة العام المقبل (2016-2017) إلى سعر دولار متوقع يبلغ 8.25
جنيه. في واقع الأمر، لا يمثل هذا السعر فقط مجرد توقعات تستند إليها
الحكومة في بناء تقديراتها بشأن الموازنة العامة، بل يشير أيضًا إلى ما
تسمح به الدولة من ارتفاع في سعر الدولار"، ويوضح: "كما كان متوقعًا، سرعان
ما استتبع الأمر بطبيعة الحال ارتفاعًا في سعر الدولار في السوق الموازية،
إلى أن بلغ تسعة جنيهات، وهو ما سيعقبه بالطبع رد فعل متوقع من البنك
المركزي بزيادة العرض من الدولار متضمنًا ارتفاع جديد في السعر الرسمي".
هل انتهج محافظ البنك المركزي سياسات جديدة أدت لارتفاع سعر الدولار؟
يقلل
هدهود من حجم الاختلاف في السياسة النقدية لهشام رامز، محافظ البنك
المركزي السابق، وطارق عامر، المحافظ الحالي للبنك، قائلًا: "ثمة اختلافات
دقيقة في التفاصيل، ربما فقط من قبيل ما ذهب إليه رامز من تخفيض الحد
الأقصى للإيداع بالدولار إلى خمسين ألف دولار مقابل ما سمح به عامر لاحقًا
من رفع الحد الأقصى إلى 250 ألف دولار"، وهو ما رأى أنه لا يمثل تغييرًا
جوهريًا في السياسة النقدية، ويضيف: "ما يبدو من اتساع نطاق سعر الدولار في
السوق الرسمية والموازية بسبب ثباته نسبيًا في السوق الرسمية لا ينم عن
توجه مغاير لعامر، بل عن ضغوط سياسية عليه".
ويقول: "المثال الواضح على هذه الضغوط هو السعر نفسه الذي
أدرجته وزارة المالية للدولار في موازنة العام المالي الجديد، فهذا السعر
المتوقع يتضمن ارتفاعًا طفيفًا عن السعر الرسمي الحالي، وهو سعر لا يتناسب
في كل الأحوال مع السعر في السوق الموازية الذي يعبر عن حقائق العرض والطلب
الفعلي، وهو أمر يرجع إلى العوامل السياسية والاجتماعية لا الاقتصادية".
فيما يقول عمرو عادلي، الباحث في الاقتصاد السياسي في مركز
كارنيجي للشرق الأوسط، إن أولويات رامز وعامر هي تقييد الاستيراد في ظل
تعذر أية محاولات "غير واقعية في كل الأحوال" لزيادة الموارد من الدولار.
لماذا فشلت مساعي تخفيض الواردات؟
يرى
هدهود أن الإجراءات المتعلقة بفرض حد أقصى لحجم الإيداع من الدولار لم
تُجدي فعليًا في تقويض السوق السوداء، كما كان رامز نفسه قد برر القرار،
"كما لم يُجدي القرار شيئًا في تقويض الاستيراد"، حسبما يقول هدهود، الذي
يضيف: "انتهى الأمر فعليًا إلى محاولات ملتوية لتسديد سعر السلع المستوردة
خارج الجهاز المصرفي؛ لأن الواردات أيًا كان تصنيفها، سواء كانت تمثل سلعًا
أساسية من عدمه، أصبحت تمثل في كل الأحوال مصدرًا للدخل لقطاعات كبيرة من
التجار، كما أن ما تذهب إليه تصريحات متواترة من مسئولين تروج إلى أن
الواردات تمثل سلعًا كمالية، هو أمر غير صحيح".
وتشير بيانات وزارة المالية إلى تصدر "المستلزمات الصناعية
المصنعة" قائمة السلع المستوردة في العام المالي الماضي 2014/2015 من حيث
تكلفة الاستيراد.
ويرى شريف الديواني -رئيس المجلس التخصصي الاستشاري
للتنمية الاقتصادية، التابع لرئاسة الجمهورية، والمدير التنفيذي للمركز
المصري للدراسات الاقتصادية- إن القرار الأخير الذي تضمن رفع التعريفة
الجمركية على قائمة من السلع فشل بدوره في كبح جماح تكلفة الواردات، "بسبب
ما تتمتع به تلك القائمة عموما من انخفاض في مرونة الطلب (ارتباط حجم الطلب
بالتغير في السعر) بسبب ارتباطها بشرائح اجتماعية تتمتع بدورها بقدرة
شرائية عالية، ما يضعف من تأثر قرارها الشرائي بالارتفاع في السعر" على حد
قوله.
ويضيف الديواني: "لم يؤدي إقرار حد أقصى لحجم الإيداع
بالدولار إلى تخفيض الواردات، بل إلى اتساع نطاق التعامل خارج الجهاز
المصرفي، عبر تعاقد المستوردين مع صرافين يتولون تسديد قيمة السلع
المستوردة عبر مبادلة العملة المحلية بالدولار المتوفر لدى مصريبن بالخارج
يفضلون بدورهم عدم تحويل دخلهم إلى أسرهم عبر الجهاز المصرفي؛ سعيًا وراء
سعر أعلى للدولار، وتجنبًا للسعر الرسمي المتاح في البنوك".
ما هي الأسباب الهيكلية وراء ارتفاع سعر الدولار؟
يرى
الديواني أن السبب الهيكلي في ارتفاع سعر الدولار على نحو متواصل هو في
واقع الأمر "عوامل العرض والطلب المتعلقة بدورها بالاستهلاك والإنتاج
والاستيراد مقابل مصادر العرض (من الدولار) التي تواصل تراجعها خاصة في ظل
التراجع في الاستثمار الاجنبي".
وسجلت حصيلة قناة السويس -أحد الموارد الرئيسية للدولار-
في العام المالي الماضي 5.362 مليار دولار، بتراجع طفيف قياسًا للعام
السابق، وهو ما يرجع لعوامل تتعلق في الأساس بانكماش النمو العالمي وتراجع
أسعار البترول، وبينما شهد الدخل من السياحة تحسنًا في العام الماضي مقابل
العام السابق، إلا أن هذا الدخل يمثل تراجعًا ملحوظًا قياسًا للعام
2012/2013.
بينما شهدت جملة الصادرات تراجعًا لافتًا في العام المالي
الماضي قياسًا للعام السابق، "وهو ما يرجع في الأساس لعوامل تتعلق بالأزمة
الأوروبية، في ظل تصدر الاتحاد الأوروبي قائمة المستوردين للصادرات
المصرية"، حسبما يقول عمرو عادلي.